المسلة

المسلة الحدث كما حدث

العراق ومحور القدس جدة

19 يوليو، 2022

بغداد/المسلة: كتب ابراهيم العبادي …

كان مفترضا بعد 29 عاما من اتفاقات اوسلو (1993)ان يستقبل الفلسطينيون الرئيس الامريكي جو بايدن في القدس الشرقية عاصمة دولتهم المستقلة ذات السيادة ،ما حصل كان غير ذلك ، فقد قال بايدن بصراحة لمضيفه محمود عباس ان حلم الدولة الفلسطينية قد يكون بعيد المنال ، فيما كان قبل يومين يوقع بحماس بيانا مشتركا يتعهد فيه بادماج الدولة العبرية في المنطقة العربية ، ويضمن تفوقها العسكري والتكنولوجي ، ويمنحها تعهدا بموقف متشدد ازاء ايران حتى لو استلزم اللجوءالى الخيار العسكري لوقف برنامجها النووي!! .
لاجديد في الموقفين الامريكي والاسرائيلي ،انما الجديد هو سقوط الحواجز العربية امام قطار التطبيع المنطلق من القدس عاصمة القضية (العربية )الاولى ، وبسرعة تفوق جميع التوقعات ،الاسرائيليون لم يعودوا غرباء ، بل باتوا يتنعمون بالحضن العربي الدافيء ،ويصبحون جزء من تحالف عريض مشكلته الاولى والاخيرة ايران .

هل كانت زيارة بايدن للمنطقة وترؤسه لموتمر جدة مناسبة لاعلان مبدأه في سياسته الخارجية ،مبدأ بايدن؟

المعروف ان الرؤساء الامريكان دأبوا على اعلان مايسمونه عقائدهم واافكارهم واولوية اهدافهم التي تصبح محور سياستهم الخارجية Doctrine ,المبدأ الاول صدر عام 1823 وعرف باسم مبدأ مونرو رئيس امريكا في ذلك الوقت ،تلاه في الاهمية مبدأ ولسن عام 1917 ثم تتالت المباديء لكل رئيس ،عاصرنا منها مباديء نيكسون ثم كارتر وريغان وكلنتون وبوش واوباما وترامب وحان الان ان نتفحص مبدأ بايدن وكلها تتعلق بمصالح امريكا في منطقتنا .

مبدأ بايدن وان لم يصغ بشكل رسمي لكنه يتلخص بعودة الشرق الاوسط أولوية امريكية لضمان امن الطاقة وممرات التجارة و ومنع اي تغيير في موازين القوى المستقر لصالح اسرائيل منذ عقود ، مع اضافة جديدة بتحشيد الجهود ودمج الطاقات العربية -الاسرائيلية في مواجهة المتغير (التهديد) الذي تمثله ايران وحلفائها ،المهمة المستعجلة الان هو الدفع باتفاقات التحالف والتعاون الامني والعسكري بين اسرائيل ودول المنطقة الى تخوم لم تعرفها من قبل ،سماها البعض الناتو العربي،وسماها اخرون اتفاقات الامن المشترك ،المحكوم بعقيدة جديدة حلت فيها ايران محل اسرائيل كعدو خطير ،وتحول العدو الى حليف يملك قدرات تكنولوجية وعسكرية بحيث اصبح بسرعة موردا للسلاح واجهزة التجسس السبراني ويساعد بنصب اجهزة تنصت ورادار، ويسعى الى توحيد منظومات الدفاع الجوي ضد الصواريخ البالستية لتكون جدارا يصد الصواريخ الايرانية .

امريكا التي كانت على مدى عقود مهتمة بضمان امن اسرائيل وحماية وجودها ،صارت تنيبها الان لحماية امن الدول المنتجة للنفط والغاز ،!!الحماس الاسرائيلي لهذه المهمة في اعلى مستوياته ،وغدا الامن القومي للخصماء متوحدا لاول مرة ،فاغلب الدول العربية ماعادت معنية بالحق الفلسطيني ، لانها تشعر بالخوف ، الخوف الحقيقي او المتوهم ،من ايران ،هل اخطأت ايران في سياستها الخارجية فدفعت اقرب شركائها وجيرانها في الخليج الى الحضن الاسرائيلي ؟ ام ان التطبيع الراهن حصيلة جهود طويلة وضغوط واغراءات اثمرت اخيرا في ازاحة العدو الاصلي ليحل محله عدو جديد ؟

تبذل ايران جهودا حثيثة لطمأنة جيرانها ،عرضت توقيع معاهدات عدم اعتداء ،مارست خطابا استرضائيا ،لكن الامور تجاوزت المحذور بالنسبة لبعض دول الخليج ،ايران النووية وغير النووية اصبحت خطرا ،وتهديدا للامن القومي لهذه الدول ، عند هذه الخطوط تشكلت معالم الرؤية الستراتيجية ،امريكا تريد الحفاظ على مراكز نفوذها التقليدية ،مواجهتها للمنافس الصيني يدفعها للحضور المكثف في الشرق الاوسط والباسفيكي وعدم ترك اي فراغ جيوسياسي ، وهي تحرص على اقناع دول المنطقة بان لاتسمح لروسيا والصين بالتغلغل وتهديد النفوذ الامريكي ،عادت واشنطن لتعترف بان انكفاءها عن الشرق الاوسط طبقا لمبدا اوباما سمح للاخرين بتغيير قواعد اللعبة الجيوستراتيجية .

كان اليسار العربي القومي يسمي اسرائيل حاملة طائرات امريكية متقدمة ،وهاهي المقولة الافلة تعود الى الحياة مجددا ، ستعوض اسرائيل انسحابات امريكا بعد حروب فاشلة في افغانستان والعراق ،وتراجع ملحوظ بثقة الحلفاء التاريخيين بها ،باتت السعودية والامارات اكثر تحررا من ربط امنهما بالاعتماد على امريكا وحدها ، حرب روسيا على اوكرانيا واضطراب اسواق الغذاء والطاقة ووقوف الصين الى جانب روسيا ،كل ذلك اعاد امريكا بقوة الى الشرق الاوسط لسد اي فراغ قد ينفذ منه منافسوها ،الصينيون والروس ثم الايرانيون الذين يواصلون التحدي ويشاكسون بقوة .

هكذا تبدو مسارات الامور في منطقتنا ،اين موقع العراق من كل ذلك ؟

المؤكد ان علاقات متوازنة مع الجميع هو عنوان السياسة العراقية منذ سنوات ،نظريا تبدو هذه الستراتيجية ممكنة ومطلوبة ،غير ان كلا من طرفي الصراع في المنطقة ، محور ايران وحلفائها، ومحور القدس -جدة يريدان العراق حائط صد ضد نفوذ المحور الاخر ، العراق نقطة الاشتباك الرخوة ، والعامل المذهبي او الطائفي يدخل على خطوط الاشتباك بقوة.

كثيرون يرون ان المحورين يستفيدان من التصنيف القائل بأن محور القدس جدة سعيد بكونه يمثل تحالفا يضم السنة المعتدلين فيما تسعد ايران بكونها تقود الشيعة المقاومين في هذا الصراع ،عراقيون كثر يخشون من تصاعد الاشتباك على هذا النحو ،لان المعادلة الامنية العراقية ستهتز مجددا ،واستقرار البلاد ونجاتها من ازماتها لايكون بالانحياز الى محور على حساب اخر ،هل الحياد ممكن مع دبلوماسية الوساطة ونقل الرسائل ؟

ايضا هناك من يتخوف من ذلك بل ذهب تيار سياسي الى التحذير من دور النادل الذي يستضيف الزبائن على طاولته دون ان يمتلك القدرة على ابعادهم فيما لو قرروا استخدام ماعلى الطاولة من ادوات !!.

العراق يسير على خط دقيق ،له مصلحة في ان يستفيد من دعم جيرانه واصدقائه، وان لايكون محسوبا على طرف ،وله مصلحة ايضا ان لايغيض احدا او يساء تفسير سياساته فترتد وبالا عليه ،الدبلوماسية الفعالة وتكوين القناعات بالعمل الدؤوب ضرورة مرحلية ،لايمكن للعراق ان يكون معزولا عن محيطه ،ولايمكنه ان يتنازل عن قناعاته الرسمية والشعبية ،التطبيع خط احمر وهو جريمة بحكم القانون ،واصبح اخيرا عنصر مزايدة بين القوى العراقية المتخالفة.

غير ان وضع الاكثرية الشيعية العراقية وكأنها وحدها صاحبة التكليف والمهمة الاولى في احباط التطبيع عربيا ، امر مبالغ به في ظرف العراق الراهن ،فقد اكتشف اسلاميو مصر وتركيا والاردن والمغرب ان قناعاتهم ومبادئهم لاتقوى على الصمود امام ضرورات (المصلحة) الحاكمة امنيا واقتصاديا وسياسيا ،سيبقى الشيعة العراقيون ومعهم الغالبية الوطنية العراقية ترفض التطبيع وترفض جعل العراق ساحة صراع بين المحاور .لكن ذلك رهين ببناء دولة مقتدرة ورؤية موحدة ،وليس بخطابات اعلامية ثأرية واستعراضات شوارع وفشل ذريع في تشكيل حكومة .!!؟

 


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.