المسلة

المسلة الحدث كما حدث

تحّول بنيوي في طبيعة العلاقات الدولية: سياسة العراق نموذجاً

3 أبريل، 2023

بغداد/المسلة الحدث:

جواد الهنداوي

ما المقصود بالتحوّل البنيوي في طبيعة العلاقات الدولية ؟ .

الجواب على السؤال يعيننا على فهم الموضوع ، ومعرفة مشاهد واقعيّة على هذا التحوَل في طبيعة العلاقات الدولية ، وسنستعين بسياسة العراق كمثالاً بارزاً لهذا التحوّل ، ونشهدُ هذا التحوّل في السياسة التي تنتهجها المملكة العربية السعودية في الوقت الحاضر.

يستخدمُ البروفسور الفرنسي برتراند بادي ( pertrand Badi) ، ( بروفسور في العلوم السياسية و العلاقات الدولية ) المفهوم ( تحّول بنيوي في العلاقات الدولية ) للدلالة على انتقال الدول ، وخاصة دول الجنوب او دول العالم الثالث ،من التحالفات الثابتة الى التقاطعات المتقلبة . و ارى اننا نشهدُ في الوقت الحاضر تحّول بنيوي في العلاقات الدولية اكبر من ان يكون محصوراً فقط في حالة الانتقال من التحالفات الثابتة الى تقاطعات متقلبة ، بسبب نشوء و تطور حركات سياسية و عسكرية لها دورها السياسي و العسكري الفاعل و المؤثر ،ليس فقط في اطار دولها الحاضنة و انما اقليمياً و دولياً ( حركة طالبان في افغانستان في السابق و في الحاضر مع الولايات المتحدة الامريكية ، وحركتا حماس و الجهاد الاسلامي مع روسيا و ايران ، و الحوثيين مع ايران ومع عُمان ومع المملكة العربية السعودية حاضراً وفي اطار مساعي الهدنة و السلام ) .

لماذا العراق نموذجاً لمثل هذا التحّول البنيوي في طبيعة العلاقات الدولية ؟

بحكم الظروف السياسية التي مّرَ بها العراق ،خلال العقديّن المنصرميّن ، وبحكم جغرافية العراق السياسية ، وبحكم ايضاً دستور العراق و نظامه الديمقراطي ( رغم العيوب ) ، دخلَ العراق في تحالفات ثابتة و علاقات دولية متميّزة مع نظراء همْ في حالة عداء ( امريكا و ايران ) ، او مع نظراء متخاصمين ( المملكة العربية السعودية و ايران ) قبل بيانهما المشترك ، ونجحَ العراق في مشواره الطويل ازاء هذا التحدي في العلاقات ، لا بل ساهمَ العراق في تقريب وجهات النظر ، و تقليل المسافات المتباعدة بين المتخاصمين ، و تفادي تفاقم الاشتباك بين امريكا و ايران . لم تمنع العلاقة الامريكية العراقية العراق من ان تكون له علاقات ودّية و مصالح متبادلة مع روسيا ، رغم ما تبنّته الادارة الامريكية علناً في السابق و سّراً في الوقت الحاضر شعار ” ان لم تكْ معنا فانت ضّدنا”.

تُقّدمْ المملكة العربية السعودية مشهداً أخر في مسار التحّول البنيوي في العلاقات الدولية ، من خلال قرارات جريئة و ذات بعد استراتيجي تخدمُ بالدرجة الاولى مصالحها الوطنية ، وكذلك امن و استقرار المنطقة ؛ فهي وبالرغم علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الاميركية ، تُبادر في علاقات ايضاً استراتيجية مع الصين ، و تسعى للانضمام الى اتفاقيات دولية آسيوية ذات طابع استراتيجي ، مثل اتفاق بريكست و منظمة شنغهاي.تُعيد علاقاتها مع ايران ، وتتواصل مع سوريا لتستقبلها في القمة العربية المزمع عقدها في الاول من شهر مايس في الرياض ، وهي ( اي المملكة ) تدرك بأن ما تتخذه من قرارات قد لا يُفرِحْ امريكا.

أيران ، هي الاخرى ،تتحرّر من نهج علاقات دولية محكومة بتحالفات مقفله او بمحاور ،فهي ( اي ايران ) تواصلت و تتواصل مع العراق ،رغم تحالف الاخير مع الولايات المتحدة الامريكية ؛ وتتواصل وبقوة مع الامارات العربية المتحدة و كذلك مع البحريّن رغم علاقات التطبيع و اكثر من التطبيع مع اسرائيل !

لن تتوقف ايران في تطوير علاقتها مع الامارات ومع البحرين ، رغم انفتاحهما الكبير على اسرائيل .

و اعتقد بأنَّ موقف ايران هذا ساهم في تعزيز مقبوليتها لدى دول الخليج .

مِنْ المفارقات في الموضوع هو ان دول الجنوب او دول عالم الثالث ، وليس الدول الكبرى ،هي التي تقّدم نموذجاً و مشاهد لهذا النوع من العلاقات الدولية . انشغال الدول الكبرى بالعداء بينهما و بالحروب قلّلَ من هيمنتهم ( وخاصة امريكا ) على مصائر الشعوب الاخرى وعلى قرارت الدول الاخرى . دول الجنوب لم تعُدْ تكترث برضا او بعدم رضا هذه او تلك الدولة العظمي ،حين تتخذ قراراً صائباً لمصالحهم الوطنية ، ومن اجل امن واستقرار وازدهار دول المنطقة وشعوبها . وقد يكون قرار تخفيض كميات انتاج النفط المُتخذ من قبل الدول الاعضاء في الاوبك ، وفي مقدمتهم المملكة و العراق والكويت وغيرهم ، بتاريخ ٢٠٢٣/٤/٢ ، خير شاهد .


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.