المسلة

المسلة الحدث كما حدث

المصالحة الايرانية -السعودية.. التحديات والفرص

3 أبريل، 2023

بغداد/المسلة الحدث:

ابراهيم العبادي 

اذا قدر للاتفاق السعودي الايراني الموقع في الصين في العاشر من اذار 2023 ،ان يمضي كما اتفق عليه ،فان منطقة الشرق الاوسط او غرب اسيا كما يسميها الايرانيون ، ستشهد حقبة جديدة ومتغيرات كبيرة . تختلف عن ما شهدته خلال الاعوام العشرين المنصرمة .الاتفاق فرصة كبيرة لبناء امن مستدام شريطة التزام الاطراف الرئيسة والثانوية كذلك وانصياعها لروح الاتفاق وعدم نجاح القوى المعادية للاتفاق في مشروعها المضاد.

نجاح مشروع المصالحة سيكون بداية تحول نوعي كبير في المنطقة ليس في العلاقات البينيةفحسب وانما داخل هذه الدول ايضا ، ولذلك ستعمل جهات تستشعر بخطر هذا التحول على تقويضه أوجعله هشا وبلا تنفيذ لكامل بنوده ، وقد تعمد الى اطالة مدة الاختبار وهز ثقة الاطراف ببعضها لمنع تطبيق بنوده ،فالاتفاق سيقود الى خسارة وجودات عديدة لنفوذها الصاخب وغطائها السياسي والاعلامي، وقد تضمر فعالياتها وينحسر وجودها تدريجيا .

النتائج الكبرى المفترضة والمتوقعة من اتفاق المصالحة له انعكاسات كثيرة تندرج تحت عنوان الاحترام المتبادل لسيادة وامن كل طرف ومنع التدخل في الشؤون الداخلية ،اي ان مشروعا للامن الاقليمي او لنقل بين كبرى الدول الاقليمية في طريقه الى التنفيذ ،وسيقود ذلك مسار الامن الثنائي والاقليمي نحو صياغة جديدة تقتضي مصالحات وهدوء واستقرار لعديد من الساحات الداخلية، تمتد من البحرين الى لبنان مرورا بالعراق وسوريا وقد يبدأ ايضا مسار طويل لعودة اليمن الى التوافق الداخلي ،فما دفع السعودية وايران للتصالح كان حسابات الامن القومي بمعناه الواسع ،اي ضمان الامن الداخلي ،وحماية الاستقرار السياسي ،ومواجهة تحديات الامن الاقليمي المتزايدة بما فيها انتشار السلاح خارج نطاقات الدول، وظهور فاعلين لايمتثلون لمنطق الدولة ويحملون مشاريع ايديولوجية عابرة ،علاوة على متغيرات كبرى تضرب بنية النظام الدولي ،وانتقال ثقل ومركز التنافس العالمي نحو الشرق الاقصى وليس اوربا والشرق الاوسط.

مادفع السعودية الى اتخاذ جريء في اعادة مسار العلاقات مع ايران من القطيعة الى التواصل ومن الخصومة الى التعاون والتفاهم ،هو متطلبات الانتقال السلس والهاديء من بنية اجتماعية متصلبة وسياسيةداخلية تقليدية تربط بين العقيدة والقبيلة الى بنية منفتحة وحديثة مع ازاحة المؤسسة الدينية عن التأثير المباشر وغير المباشر في السياسات الداخلية والخارجية ،السعودية ادركت ان حروب الاستنزاف وحروب الوكالة تصرف الاهتمام والتركيز عن مباشرة التحديث في مجتمع تبدي بعض فئاته ممانعة للتحول الى نمط فكري -اجتماعي -سياسي حديث يحفظ للدولة استقرارها ومواكبتها للمتغيرات دون الوقوع في مطبات التطرف والتطرف المضاد ،لدى السعودية مشكلاتها الخاصة التي تتطلب منها التحرر من عقدة اليمن وحرب الاستنزاف فيها ،وعقدة المواجهة المستمرة مع ماتسميه اذرع ايران الاقليمية ،فالسعودية مشتبكة امنيا في طول وعرض الاقليم الشرق اوسطي ،فهي تنظر بعين قلقة على نفوذها في لبنان وسوريا وتراجع حضورها فيهما ،كما تراقب التحولات التدريجية الجارية عند حلفائها الاقليميين ،وهي تحذر من الوقوع ساحة صدام بين ايران واسرائيل، في حال قررت الاخيرة بدعم امريكي او بدونه ، توجيه ضربات داخل ايران لمنشات المشروع النووي المقلق لوجودها.

السعودية ايقنت ان المشروع النووي الايراني قد وصل الى مرحلة اللاعودة ،وان ايران القلقة على امنها ومستقبلها القريب ستكون اكثر خطرا قياسا بما لو تم استيعابها ومقايضة امنها بامن المنطقة عموما .لقد دخلت السعودية في مسار تفاوضي طويل اختبرت فيه النوايا والتصورات والمخاوف الايرانية ،كما دخلت في اختبار جدي لحليفتها وضامن امنها التاريخي (الولايات المتحدة )وخرجت بقرار مدروس يتضمن تجديد مرتكزات منظومة الامن القديمة بما يستجيب للتطورات الجارية في بنية النظام الدولي ،وصعود الصين الى مرتبة المنافس الاول على قمة هذا النظام مع شراهة متزايدة للطاقة والاستثمار في الشرق الاوسط ورغبة في الدخول المتدرج الى عرين النفوذ الامريكي الذي ظل مغلقا لعقود امام الطامحين والمنافسين ،السعودية اتخذت قرارا تريد له ان يخفف من صداعها الامني في الخليج ويحفظ لها خيارات مرنة للبقاء دولة صاعدة ضمن مجموعة العشرين الصناعية بناتج اجمالي يتجاوز الترليون دولار وفق رؤية عام 2030.

اما دوافع ايران للمصالحة فهي كالسعودية مرتبطة بامنها الذي يزداد تهديدا بسبب حجم التحديات الداخلية والخارجية ،والتراجع الاقتصادي الخطير الناجم من العقوبات والتضخم والبطالة وانهيار قيمة العملة مع سلسلة احتجاجات اجتماعية -سياسية وصلت الى مستوى تهديد مستقبل النظام، واضعفت قدراته على مواصلة ستراتيجية المقاومة والممانعة بما فيها انشاء وتكوين الاذرع الخارجية وتوسيع رقعة الدفاع المتقدم الى داخل الاقليم الشرق الاوسطي بعيدا عن حدود ايران ،لقد ادركت طهران متأخزة ان كلفة ادارة جبهة مقاومة واسعة بكل المضاعفات السياسية والامنية والنزيف المالي بلغ مرحلة الحرج الشديد ،وان سياسة التسلح والردع والانفاق الدفاعي الكبير لم يعد خيارا يمكن مواصلته في ظل حروب استنزاف في اكثر من بقعة جغرافية، من اليمن جنوبا الى لبنان شمالا ، ومن الخليج الى سوريا والعراق ،وقد تم استنفاد النتائج المتوقعة لهذا النهج الايديولوجي المتشدد الذي ماعاد مقنعا داخل الاوساط السياسية الايرانية نفسها ،بل ان نتائجه السلبية اصبحت ماثلة اكثر من اي وقت مضى ،مع تزايد كم الاعتراضات الجماهيرية على هذه الستراتيجية المكلفة للاقتصاد ولاستقرار النظام ، خصوصا بعد ظهور عيوب خطيرة في بنية النظام السياسية سمحت لخصوم ايران بالضغط عليها ،وبادوات ناعمة كما هو حال توظيف وسائل اعلام مضادة ومعادية ممولة سعوديا وخليجيا، في ان تكون مؤثرة في توسيع رقعة الاحتجاجات الشعبية، كما حدث ابان سلسلة الاحتجاجات التي اعقبت موت الشابة مهسا اميني في 13ايلول من العام الماضي.

ايران واجهت اياما عسيرة وضغوطا شديدة ، وظهرت فيها نقاطا هشة نفذ منها اعدائها بسهولة واستطاعوا النيل منها بضربات خطيرة طالت مواقع نووية ومصانع سلاح وخبراء ومختصون ،وكان ذلك اختبارا عسيرا لمنهج التشدد الذي اضر بايران داخليا وشوه صورتها الخارجية وافشل دبلوماسيتها، وزاد من عزلتها والجأها الى الاقتراب كثيرا من روسيا والصين دون مكاسب كبيرة.

اتجاه المصالحة مع السعودية والانقلاب على الشعارات المتطرفة السابقة عنى الكثير داخليا ،فقد بدا ان النظام دخل مرحلة مراجعة حذرة ولكنها راسخة تحظى بدعم المرشد الاعلى لتحييد الاتجاه المتشدد الذي افشل التوصل الى اتفاق نووي ضروري تحتاجه ايران بشدة ،وساق السياسة الخارجية في اتجاه خسرت فيه طهران اوربا ولم تربح الصين بقوة كما كان ُيروج ،كما دخلت في تقارب مع موسكو عاد عليها بخسائر غير قليلة.

اذن المصالحة السعودية الايرانية حاجة متبادلة للطرفين ، لم ترفضها امريكا واستقبلها حلفاءها بالترحاب باستثناء اسرائيل ، التي راهنت على جبهة واسعة معادية لايران ،فبان خطأ المراهنة على موقف عربي يوافقها في ذلك ،لاسباب داخلية تخص الاطراف العربية الخليجية بسبب قربها الجغرافي من ايران ، الطرف الخطير الذي يعادي الاتفاق ليس بالضرورة اسرائيل وحدها ،بل ان قوى متشددة ايرانية وغير ايرانية ستجد نفسها بلا وزن ولانفوذ وستنظر الى الاتفاق بكونه مشروعا مضادا لمشروعها الايديولوجي المتصلب ومنطقها الصراعي المتلبس بلبوس الطهورية الثورية ، يتوقع ان تقوم هذه القوىى بنقل صراعها الداخلي على النفوذ والسلطة من داخل ايران الى الساحات الخارجية ،وستمارس دورها كحامل غير معني باتفاقيات الرسميين والمؤسسات الحكومية ،انها في الواقع تمثل قوى مافوق الدولة وهي التي ستكون محلا لاختبار قدرة المؤسسات الناظمة من عدمها ، ظهر رد الفعل الاول لهذه القوى بالتحرش بالامريكان في قاعدة حقل العمر بسوريا في 22-اذار الماضي ويحتمل ان تلجأ الى التصعيد في مياه الخليج وبحر العرب ،وتسخين جبهات الصراع السياسي والعسكري والاعلامي ،فهذه هي ادواتها المتوقعة لتحجيم مساحات اشتغال اتفاقدالمصالحةز وتدمير الثقة بين اطرافه ،التحدي سيكون في قدرة الاطراف الموقعة على الاتفاق في احتواء فعاليات معارضيه والصبر على مشاكساتهم ،المنطقة بانتظار جني النتايج الايجابية لاهم حدث في المنطقة منذ حرب تحرير الكويت عام 1991.والرهان الان على عامل الزمن وعقلانية صناع السياسات.


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author