بغداد/المسلة الحدث:
محمد زكي ابراهيم
مايزال البعض لدينا يعيش أجواء حقبة صدام حسين، التي ذهبت دون رجعة، وتوارى رموزها الواحد بعد الآخر. وغدت مجرد ذكرى مرة، يستعيدها الناس في المناسبات المؤلمة، أو حينما يبلغ الأجل منتهاه. فمرور عشرين عاماً على انقضاء أيامها، كفيل أن يجعل منها خبراً من الأخبار، ليس إلا.
كان انهيار تلك الحقبة حلماً يراود الناس. ولم يكن من السهل التنبؤ باليوم الذي سيحدث فيه، بعدما انتهت حرب الكويت عام 1991، وبقيت الحال على ما هي عليه. لكن فسحة الأمل كانت حية في النفوس، رغم كل الأهوال، والمحن، والأحزان.
ومن تصاريف القدر أن الهجوم على مانهاتن في 11 أيلول 2001، كان الشرارة التي حققت هذا الحلم. وربما شعر منفذو الهجوم بالندم على فعلتهم هذه. وأدركوا بعد فوات الأوان أنهم فتحوا باب الجحيم على مصراعيه.
لكن العراقيين والأفغان، جنوا ثمار هذه المغامرة غير المحسوبة. وتمتعوا بالحرية التي حلموا بها سنوات طويلة.
لقد قيل الكثير عن دوافع الرئيس بوش للانقضاض على حاكم بغداد. واعتقد البعض أن معلومات مضللة عن أسلحة الدمار الشامل كانت هي السبب. وأن غزو العراق افتقد بذلك الشرعية المطلوبة. ففي نظر هؤلاء أن النظام المنهار هو الممثل الحقيقي لها. وأن خلو العراق من هذه الأسلحة – التي اكتوى بنارها العراقيون قبل غيرهم – هو معيار بقاء أو زوال النظام هذا.
مثل هذه التبريرات لا تعدو أن تكون هذياناً لا يستحق الوقوف عنده. فسقوط صدام حسين كان أمل الملايين من المظلومين والتعساء، الذين ذاقوا صنوف الهوان على يديه. ولا يحتاج طرده من السلطة إلى مبرر ولا إبعاده عن كرسي الحكم إلى حجة.
ما يحزنني أن النظام الجديد بعد مرور هذه الأعوام العشرين، قد خضع للضغوط ، ولم يعترف صراحة بهذا اليوم، أو يجزل الثناء لمن شارك في صنعه. بل إنه تجاهله تماماً، ولم يذكره إلا بإشارات خجولة. وهو دون ريب ذروة الجحود ونكران الجميل. فالعناصر التي وقفت ضده، وأغرقت البلاد بالفوضى، بعد أن نفذ حكم القضاء، لا تملك أن تملي على الدولة رؤيتها السوداء بعد أن منيت بالفشل الذريع، وتجرعت مرارة الهزيمة. وليس لها أن تحرم المجتمع من نشوة الاحتفال بهذه الذكرى.
إن الأعوام العشرين التي مرت بسرعة، تعني أن مرحلة انتقالية، غاب عنها الاستقرار، قد انتهت. وأن مرحلة جديدة قد بدأت الآن، هي مرحلة التغيير الحقيقي، وتصفية ما شاب الماضي من ظواهر سيئة. ويقتضي الأمر أن يفكر الجميع بهذا الأمر، بدلاً من الانشغال بالتظلم من جرائم النظام السابق وتجاوزاته. أي أن الأعوام العشرين القادمة يجب أن تكون مختلفة تماماً. وليس هذا بالأمر الهين بالطبع. لكنه ليس بالمستحيل. إنه التحدي الجديد للعراقيين الذين لا ينفكون يتباهون بعصورهم الزاهية القديمة. وما قدموه للبشرية من عطاء.
لقد كانت تجربة العشرينية الأولى غنية بالعبر والدروس. وأهمها أن التفكك، والانقسام، والزهد في الوحدة الوطنية، عوامل مميتة، لا تعود بالفائدة على أي مكون أو جماعة. ومن الخير للجميع أن يسدلوا الستار على أوهامهم السابقة. وأن يبدأوا عشرينية جديدة يثبتوا فيها للعالم أنهم جديرون بأن يكونوا في مقدمة الأمم والشعوب.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
أخبار ذات علاقة
سوريا تواجه اختبارًا وجوديًا.. شعارات طائفية وانتقام متبادل
الجامعة العربية تدعم سوريا ضد إيران رغم المواقف المتحفظة لبعض الدول
اعلامي مصري لـ “الجولاني”: قتلت الابرياء في العراق بسبب خلافات قبل 1400 سنة!