بغداد/المسلة الحدث:
علي مارد الأسدي
رغم تجارب 20 سنة من تجاوز الدستور وقوانين البلاد التي حولت إقليم شمال العراق من الناحية السياسية والاقتصادية الى دويلة مستقلة، إعتادت على الأخذ دون العطاء، نجد في مشروع موازنة عام 2023 أن الحكومة المركزية قد تكفلت بدون شروط مسبقة، مثبتة بشكل واضح لا يقبل اللبس، أن تقوم بدفع جميع النفقات التشغيلية والإستثمارية للأقليم شبه المستقل، وبالطبع لم يُحسب ضمنها النفقات الضخمة لرواتب ومخصصات عشرات الآلاف من النواب والمسؤولين والموظفين التابعين للأقليم من الذين يعملون في جميع وزارات ودوائر الحكومة المركزية، ومثلهم ممن أحيلوا على التقاعد.
وبمراجعة مواد وفقرات مشروع الموازنة فيما يتعلق بنفقات الأقليم، نثبت بعض الملاحظات:
1●
المادة 12
ثانيًا. (تحديد نسبة من تخصيصات القوات البرية للجيش العراقي الاستثمارية والتشغيلية الى قوات البيشمركة حسب النسب السكانية)!
وبغض النظر عن الصياغة الركيكة للنص المكتوب، وعن تبعية هذه القوات التي لم تأتمر يومًا بأوامر القائد العام للقوات المسلحة، لكن يمكننا أن نفهم من النص أن هناك تخصيصات مالية كبيرة جدًا ستدفعها بغداد لعدد (مجهول) لا تعرفه من قوات البيشمركة، وبالتالي تم تقدير نسبتهم (گوتره) بحسب عدد السكان..!!!
2●
المادة 13
اولًا. (تتم تسوية المستحقات المالية بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم للسنوات من 2004 ولغاية 2022 بعد تدقيقها من ديوان الرقابة المالية الاتحادي وديوان الرقابة المالية في الاقليم استنادًا الى الحقوق والالتزامات المنصوص عليها في قوانين الموازنة الاتحادية الخاصة بكل سنة مالية).
هذه الفقرة الفضفاضة تدرج عادة في كل موازنة ولا توجد آلية محددة ولا حتى إرادة لتنفيذها في ظل رفض سلطات أربيل ممارسة ديوان الرقابة المالية الاتحادي لعملهم الدستوري داخل الأقليم. ونذكر أن هناك وثيقة رسمية منشورة صادرة عن هيئة النزاهة الاتحادية بالتعاون مع ديوان الرقابة المالية الاتحادي في 31 كانون الأول من عام 2019 تثبت أن على الإقليم ديون ومستحقات لبغداد تتجاوز 128 مليار دولار.
3●
ثانيًا: أ _ (تلتزم حكومة الأقليم بتصدير النفط الخام من حقولها وبمعدل لا يقل عن 400 ألف برميل يوميًا وفقًا للبيانات الشهرية المقدمة من وزارة الثروات الطبيعية في حكومة الأقليم والمصادق عليها من وزارة النفط الاتحادية وديوان الرقابة المالية الاتحادي وبالتنسيق مع ديوان الرقابة المالية في الأقليم وتقيد دفتريًا كإيراد نهائي للخزينة الاتحادية).
نلاحظ أن موازنة العراق لعام 2021 أشترطت أن لا يقل انتاج النفط في الاقليم عن معدل 460 ألف برميل يوميًا، وان لا تقل اقيام الكميات المسلمة عن المبالغ المتحققة من بيع 250 ألف برميل يوميًا بسعر شركة سومو، بعد إستبعاد ما يلزم لتغطية نفقات الإنتاج والنقل والتشغيل والاستهلاك المحلي. مما يعني أن سلطات الأقليم ما عادت ملزمة تجاه حكومة المركز بسقف معين لتسليم عائدات النفط المصدر، فهي في كل الأحوال ستطالب بكامل حصتها في الموازنة حتى لو لم تسلم بغداد الا الفتات.
والمثير للسخرية المريرة في هذه الفقرة هي أن حكومة بغداد تعلم جيدًا أن أكثر من نصف انتاج النفط الذي يصدره الاقليم هو أصلًا مهرب من حقول نفطية مستولى عليها بقوة السلاح في كركوك ونينوى خارج الحدود الإدارية للاقليم، ومن حق كل مواطن عراقي أن يرتاب ويطرح الأسئلة عن سبب عدم إستعادة بغداد سيطرتها على هذه الحقول النفطية المهمة التابعة لها وهي قادرة على ذلك بكل بساطة!!!
4●
ب_ (تلتزم حكومة الاقليم بتسليم الإيرادات غير النفطية الى خزينة الدولة وحسب قانون الإدارة المالية الاتحادي على أن يقوم ديوان الرقابة المالية الاتحادي بالتنسيق مع ديوان الرقابة المالية في الاقليم بتدقيق البيانات المتعلقة بتلك الإيرادات).
هذه الفقرة هي نفسها تمامًا، دون زيادة حرف أو نقصان حرف، منسوخة من قانون موازنة العراق المالية لعام 2021 وهي تكتب لذر الرماد في العيون، حيث لا تتضمن أي شروط جزائية في حالة عدم التطبيق. ولهذا لم يسلم الأقليم دينارًا واحدًا الى بغداد من الإيرادات الاتحادية غير النفطية، كما أن الحكومة المركزية لا تعرف بالضبط مقدار المبالغ المستحصلة للدولة في هذا الباب لممانعة سلطات اربيل دخول ديوان الرقابة المالية الاتحادي في الاقليم!!
5●
د_ (تتم تسوية ما بذمة حكومة الأقليم من أرصدة المصرف العراقي للتجارة لدى المصارف الحكومية والخاصة وتقوم وزارة المالية بجدولة أقساط شهرية تخصم من حصة الاقليم وتبدأ من السنة المالية 2023 ولمدة 7 سنوات).
الغريب أن هذه الفقرة الغائمة هي نفسها باقية وتتمدد دون زيادة أو نقصان، حيث نجدها في قانون موازنة عام 2021 وما قبلها، ويبدو ان كل ما يتم القيام به هنا هو تغيير السنة فقط، مما يضع الكثير من علامات الاستفهام حول طبيعة عمل وزارة المالية الاتحادية فيما يتعلق بمعرفة وتحديد مقدار الديون العائدة لها عند الاقليم، وفوائدها، وآليات إسترداد هذه الديون، والشروط الجزائية في حالة النكول أو التأخير…؟!!
6●
المادة 14
أولًا_ (يتم إيداع الايرادات الكلية للنفط المنتج من حقول الاقليم في حساب مصرفي واحد تودع فيه جميع الإيرادات المتأتية من تصدير أو بيع النفط الخام ومشتقاته بدون أي استقطاعات لأي غرض كان، ويقوم رئيس مجلس وزراء الاقليم أو من يخوله بصلاحية الصرف ويخضع الحساب المذكور لرقابة الحكومة الاتحادية وتغلق الحسابات المماثلة الأخرى كافة)!!!
من الواضح أن هذه الفقرة الغريبة الواردة في مشروع موازنة العراق لعام 2023 اعتمدت بشكل كلي على بنود الاتفاق السياسي النفطي (لم يكشف عن نصه الكامل!) بين حكومتي أربيل وبغداد بعد قرار المحكمة التجارية الدولية الذي عطل تصدير النفط المهرب من الاقليم.
أن كل من لديه أبسط فهم واطلاع على مواد الدستور يعرف أن هذه الفقرة السياسية المحشورة في مشروع قانون الموازنة لعام 2023 تتحايل وتخرق بشكل صارخ دستور العراق وقرارات المحكمة الاتحادية التي الزمت سلطات الأقليم بتسليم كامل واردات النفط المستخرج من حقول شمال العراق الى بغداد.
أن هذه الفقرة اللادستورية تحول المؤسسات الاتحادية المعنية بإدارة ثروات الشعب الى جهة مشرفة فقط، فيما تمنح صلاحياتها الواسعة في الإدارة والصرف الى شخصيات غير مصرح لها دستوريًا وقانونيًا.
بالإضافة لما سبق، نلاحظ انها منحت رئيس حكومة الاقليم صلاحية الصرف للايرادات الكلية الناتجة عن بيع النفط العراقي المنتج في الاقليم، وهذا يناقض الالزام الوارد في الفقرة (ثانيًا أ) الذي يقيد دفتريًا لصالح الخزينة الاتحادية الايرادات المتحققة من بيع 400 ألف برميل نفط يوميًأ من حقول نفط الإقليم.
7●
المادة 14
خامسًا_ (تشكل لجنة مشتركة من الطرفين { أربيل وبغداد!!} تتولى إجراء مراجعة شاملة للفترة السابقة لكل ما يتعلق بقطاع النفط والغاز في الاقليم والعلاقة بين وزارة النفط الاتحادية والاقليم والخروج برؤية موافقة للدستور ومقبولة من الطرفين وقابلة للتطبيق لاجراء تسوية للمرحلة السابقة)!!
واضح جدًا أن هذا النص هو الآخر مستل من الاتفاق السياسي النفطي الأخير الذي لم تكشف تفاصيله بين حكومة بغداد وحكومة أربيل، وفيه تجاوز وتجاهل وإنتهاك لقرار المحكمة الاتحادية العليا القاضي بتسليم “كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية في الإقليم والمناطق الأخرى التي كانت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة الإقليم تستخرج النفط منها، إلى الحكومة الاتحادية والمتمثلة بوزارة النفط العراقية، وتمكينها من استخدام صلاحياتها الدستورية بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره”.
النص الوارد في الموازنة خطير للغاية لأنه يخرج المحكمة الاتحادية العليا من المعادلة ويضع بدلا عنها (لجنة مشتركة من الطرفين)!!!
8●
هناك فقرة مهمة في موازنة العراق المالية لعام 2021 كانت ضامنة لالتزام حكومة الاقليم بتسديد كامل الواردات الاتحادية لحكومة المركز وبالمقابل التزام بغداد بدفع مستحقات الأقليم. حيث نصت على:
(تلتزم الحكومة الاتحادية بتسديد مستحقات الاقليم الواردة في هذا القانون والجداول المرفقة به بعد قيام الاقليم بتنفيذ الفقرات { أ، ب، ج، د…} من هذه المادة).
وبخلاف أغلب الفقرات التي نسخت من موازنة 2021 وأضيفت لموازنة 2023 فإن هذه الفقرة المهمة التي تشترط الالتزام قبل التمويل قد أختفت بقدرة قادر !!
9●
بحسب قانون موازنة العراق عام 2021 فإن عدد موظفي الاقليم هو 682021 موظفًا
وكانوا يشكلون أكثر من 26% بالنسبة لمجموع موظفي القطاع الحكومي في العراق.
وقد نقص هذا العدد قليلًا في مشروع موازنة عام 2023 وأصبح 681979 موظفًا
ومع ذلك فإن الرقم من المبالغة بحيث لا يبدو طبيعيًا قياسًا بعدد سكان الأقليم الذين حددت نسبتهم بقيمة تتجاوز ال12% بقليل قياسًا بعدد سكان العراق.
ولكن حتى بعد قيام حكومة بغداد بتوظيف مئات الآلاف في القطاع الحكومي، ظل عدد الموظفين في الاقليم مرتفعًا بنسبة تقارب 20% من إجمالي العاملين في القطاع الحكومي العراقي!!
10●
يكشف جدول القوى العاملة للوزارات والدوائر الممولة مركزيًأ لسنة 2023 عن وجود تضخم وقفزات غير منطقية وغير طبيعية بالمطلق في بيانات الاقليم الخاصة بالدرجات العليا قياسًأ بالجدول نفسه في موازنة عام 2021
حيث نلاحظ في جدول القوى العاملة في الاقليم لعام 2021 ما يلي :
عدد الموظفين في خانة الدرجة العليا أ = 70
عدد الموظفين في خانة الدرجة العليا ب= 996
عدد الموظفين في الدرجة الأولى = 3010
عدد الموظفين في الدرجة الثانية = 11282
فيما أصبح عددهم بعد سنتين فقط في جدول عام 2023 كالآتي :
عدد الموظفين في خانة الدرجة العليا أ = 329
عدد الموظفين في خانة الدرجة العليا ب= 1221
عدد الموظفين في الدرجة الأولى = 4913
عدد الموظفين في الدرجة الثانية = 34836
علمًا أن هذه الأرقام لا تشمل الدرجات الخاصة والعليا لموظفي الاقليم في الوزارات والهيئات والدوائر والسفارات التابعة للحكومة الاتحادية.
11●
تشير الأرقام في موازنة العراق لعام 2023 الى ان بغداد خصصت للاقليم في خانة المصروفات التشغيلية والاستثمارية مبلغًأ قدره 16,609,639,162,000 ترليون دينار عراقي.
يضاف له في جدول ملحق بالموازنة يطلق عليه (النفقات الحاكمة) ما يلي :
590,684,138,000 مليار دينار بطاقة تموينية!
6,335,000,000 مليار دينار دعاوى نزاعات الملكية!
209,291,196,000 مليار دينار أدوية!
316,750,000,000 مليار دينار دعم شراء الحنطة!
45,437,241,000 مليار دينار استيراد الطاقة!
44,345,000,000 مليار دينار التعداد العام للسكان!
43,769,149,000 مليار دينار لتغطية نفقات انتخابات مجالس المحافظات في الاقليم!
ويضاف لكل هذه المبالغ ما سبق أن أتينا على ذكره بخصوص دفع رواتب البيشمركة التي لم تحدد أعدادها ولا المبالغ المخصصة لها في الموازنة!
وأخيرًأ..
لدي كلمة بسيطة..
بمراجعة كل أبواب الصرف التي أنهكت وأغرقت الحكومة الاتحادية في بغداد بإلتزامات مالية تفصيلية لا مسوغ قانوني لها، تجاه كيان إداري يتمتع بإستقلالية تنظيمية في الإدارة أكبر بكثير من نظام إدارة المحافظات. وتفترض فلسفة إنشاء هذا الكيان، الأقليم، أن يكون حالة متطورة لتقوية المركز، وتمويله، والتخفيف من الاعباء المترتبة عليه، كما هو الحال في جميع الانظمة الفدرالية في العالم. غير أن ما يحدث في العراق وللأسف يمضي في الاتجاه المعاكس تمامًا، لأسباب كثيرة، في مقدمتها طبيعة النظام العائلي والعنصري الحاكم في الاقليم، الذي يدير الأوضاع منذ عقود بطريقة غير ديمقراطية وغير شفافة، وبالطبع لولا تخاذل وتواطؤ الحكومات الاتحادية المتعاقبة بعد سقوط نظام صدام المجرم، وتنصلها عن واجباتها الوطنية والدستورية تجاه أبناء شعبها في شمال العراق، لما وصلت تجربتنا الفدرالية الرائدة على مستوى البلدان العربية والشرق الأوسط لحالة الموت السريري سياسيًا وإداريًا وإقتصاديًا.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لا يعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
أخبار ذات علاقة
رائحة صفقة روسية – تركية – “إسرائيلية” وراء انهيار نظام الأسد
احباط عملية تلاعب في منفذ سفوان بقيمة أكثر من 30 مليون دينار
العراقيون في المرتبة 70 بمؤشر الجوع العالمي