بغداد/المسلة الحدث:
محمد زكي ابراهيـم
نحمد الله أن عصر الانقلابات العسكرية قد انتهى، وأسدل عليه الستار منذ سنوات في بلادنا العربية، وحل محله عصر آخر، هو عصر الثورات الشعبية، التي يخرج فيها الناس إلى الساحات العامة مطالبين بالتغيير.
ومع ذلك فإن الاثنين متماثلان من ناحية المضمون. فقادة الجيش الذين تزعموا حركات كثيرة، قلبوا بها أنظمة حكم، وجاءوا بأخرى بدلاً عنها، لم يكونوا يمثلون أنفسهم لوحدهم، ولم يأتوا هم بمفردهم. بل كانت تقف وراءهم جهات أخرى، داخلية وخارجية. وكانوا يمثلون تيارات كبيرة، لها ثقلها في الشارع، وفي المؤسسات الأمنية والإدارية. وقد حظيت بتأييد قوى دولية وإقليمية نافذة. أي أنها كانت (ثورة شعبية) أيضاً، تولى عدد غير قليل من الرجال التخطيط لها، وتنفيذها، وإدارة العمليات فيها.
إن الثورات التي اندلعت في العقد الثاني من هذا القرن في عدد من البلاد العربية، وأدت إلى تنحي رؤساء، وزعزعة وجود آخرين، لم تكن تمثل طبقات الشعب بأسرها، بل فئات منه تطلعت إلى حكم نيابي ومشاركة أوسع. وهو ما أخفقت فيه بعد وقت قصير. ولم تجن من وراء خروجها للشارع، ورفعها الشعارات، وقطعها الطرق، سوى المزيد من الخيبة والإحباط. ولا أظن إلا أنها تتحسر الآن على الأنظمة التي ناصبتها العداء.
إن مفهوم الثورة الذي كثيراً ما ملأ أسماعنا ونحن صبية صغار، كان يتلخص في إزاحة أشخاص عن سدة الحكم، والمجئ بآخرين. مع رفع حزمة من الأهداف التي تبرر هذا الصنيع، مثل مقارعة الاستعمار، والحفاظ على الثروة الوطنية، والتنمية، وغير ذلك من الأمور التي لا يمكن الوصول إليها بهذه الطريقة، ولا تتحقق عبر عمل عسكري أو جماهيري. وكانت النتائج التي انتهت إليها، دليل لا يرد على أن مثل هذا الأسلوب لا ينتمي إلى الثورة، بل إلى الفوضى، والتمرد، والهيجان.
والواقع أن الثورات الحقيقية التي شهدها العالم هي في الأصل ثورات علمية وتقنية، غيرت وجه التاريخ، وطورت من وضع المجتمع. وقد وفق أولئك الذين أطلقوا مفهوم الثورة على الإنجازات الصناعية، والإلكترونية، والمعلوماتية، وغيرها، في هذه التسمية. لأنها قلبت حياة الناس رأساً على عقب. فبعد اكتشاف المحرك البخاري والسكك الحديد والبواخر العملاقة، أصبح العالم أكثر ترابطاً. كما بات انتقال المواد الخام متيسراً. وكان الشروع بإنشاء المصانع وإنتاج السلع نتيجة منطقية لهذا الحدث. وأمدت البحوث العلمية الإنسان بقدرات هائلة في الحصول على الطاقة، وإدارة المكائن الضخمة، وهكذا.
إذا جاز لنا أن نحتفل بثورة ما في عالمنا العربي، فعلينا أن نحتفل بأي إنجاز صناعي أو زراعي يحدث خلخلة في البناء العام للدولة. مثلما أحدثها دخول عامل مهم، كالهاتف النقال، الذي اختصر طريق المعرفة، وأزاح عن كاهلنا الكثير من المصاعب. هذا الجهاز ذاته هو الذي يكاد يشعل الآن، بسبب خطورته، ومردوداته الاقتصادية، حرباً كونية ثالثة، بين الولايات المتحدة والصين، وحلفائهما. فهو على صغر حجمه، وضآلة وزنه، يملك الكثير من أوراق الصراع في العالم.
لنحاول أن نصنع ثورة ما في بلادنا على غرار هذه الثورات الكبرى، حتى لو كانت في أضيق الحدود، بدل أن نهدر الوقت في الشتائم والمهاترات، وإلقاء التهم على هذا الطرف أو ذاك. فالثورة فعل مهذب وجميل، لا ينهض به إلا العقلاء والعلماء وذوو البصيرة. ولا يحظى به إلا من أوتي حظاً وافراً، وهمة عالية، وإمكانات عقلية كبيرة.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
أخبار ذات علاقة
اعلامي مصري لـ “الجولاني”: قتلت الابرياء في العراق بسبب خلافات قبل 1400 سنة!
مصدر رفيع يكشف مباحثات الوفد العراقي مع الإدارة السورية
المالكي: يجب دعم هيئة المساءلة والعدالة لمنع تسلل افراد البعث الى الدولة