المسلة

المسلة الحدث كما حدث

لا اعتراض

6 يونيو، 2023

بغداد/المسلة الحدث:

محمد زكي ابراهيـم

من حق أي إنسان أن يقول لا في أي فعل أو سلوك لا يعجبه. وليس عليه أن يساير الآخرين في ما يدعون إليه. فهذا ما كفلته له القوانين والدساتير والنظم في كل مكان.

لكنه مع ذلك مطالب أن يبرر موقفه هذا، حتى لا يكون تجنياً أو بهتاناً. وبدونه سيواجه الكثير من الاعراض والرفض. فالمنطق السليم هو الفيصل في كل ما يدور بين الناس من نزاعات. وبسبب هذا المبدأ نشأت المحاكم، واللجان التحقيقية، وجماعات الرأي، وغير ذلك كثير.

إن أول ما يتبادر إلى الذهن في مثل هذا الموضوع هو عالم السياسة الملئ بالصراعات والتناقضات والمشاكل والحروب. وهو، في البلدان المتحضرة، أقل حدة، واختلافاً، وتنافراً، منه في البلدان الفقيرة أو المتخلفة. فالناس هناك تحتكم إلى المنطق قبل أي شئ آخر.

وقد تعلمت هذا التقليد أول الأمر على أيدي مفكري عصر النهضة، الذين رفضوا المسلمات المجافية للواقع. وليس صحيحاً أنهم يحترمون الرأي الآخر، لمجرد أنه مختلف. بل لأنه قائم على حجج وأسانيد واعتبارات لا يمكن تجاهلها، أو غض النظر عنها.

لكن مثل هذا الأمر لا يحدث في بلداننا، التي ماتزال في مؤخرة الركب. فأحد أهم مظاهر التخلف فيها هو الانقسام الشديد، والتناحر، بين الناس والأحزاب والطوائف والأعراق. هذا الأمر جعلها تخفق في أول مقومات البقاء وهو التنمية. وتفقد أهم عوامل التقدم وهو الاستقرار.

أما كيف يتعلم الناس الاحتكام إلى العقل، فهذه قضية شائكة تحتاج إلى وقت وجهد ومال. وتبدأ من البيت والمدرسة والورشة والإعلام والكتاب والمسجد والسوق. ولا أظن أن أياً من هذه الأماكن والبقاع يسير لدينا بالاتجاه الصحيح، بل على العكس من ذلك يشجع على الاستبداد والمناكفة والجدل العقيم.

ومما يثير الانتباه، أن الغربيين الآن، بعد أن ملوا من الهدوء، والرتابة، والوحدة، بدأوا يشجعون على الاختلاف وقبول وجهات نظر الغير. ويرون في ذلك قوة للمجتمع. ففتحوا حدودهم للمهاجرين القادمين من وراء البحار، الذين يحملون ثقافات ومعتقدات وسحنات مختلفة، لم تكن في يوم من الأيام محط إعجاب الفرد الغربي. لكنهم لا يخشون منها كثيراً الآن، ويرون أنها قد تحمل إليهم بعض ما يحتاجونه في قابل الأيام.

إن مثل هذا الأمر لا يلائم المجتمعات الأخرى التي تعاني من تضخم الخلافات. فهي أحوج ما تكون إلى الاتحاد والتقارب والاندماج. وليست لديها رغبة في زيادة الهموم والمشاكل والولاءات. وأكثر ما تشكو منه الثقافات الفرعية التي تحاول الخروج على الجماعة، والأفكار الوافدة التي تعمد إلى الحط من القيم الموروثة.

أرى أن كثرة الاعتراضات التي تواجه أي راي ومشروع، وتعادي أي فكرة وخطوة، هي من أشد ما يواجه مجتمعاتنا من أخطار. فليس من الصحيح أن نعترض على أي شئ لا يروق لنا، ولا ندخر وسعاً في تعداد مثالبه، وبيان مساوئه. بل لا بد أن يكون هناك مبرر معقول لهذه المعارضة. وإلا تحولت – كما هو حاصل الآن لدينا – إلى عملية مدمرة تذهب بالبلاد والعباد إلى المجهول!


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.