بغداد/المسلة:
فـــا ضـــل الچـــالــي
المكان:بغــــــــــــداد و عواصم أخرى.
الزمن: سنوات الحصار والصنم.
هاتــّف الأخ الكبير..كل أخوته وأخواته على غير العادة…لم يألفوا منه الاتصال بهم في هذا الصباح الباكر،
مما حدا بهم جميعا..أن اتصلوا ببعضهم….متسائلين عن السبب.
كانت..الوسطى من الأخوات..مقبلة على الحياة بشدة، يسمونها فاكهة البيت…فكثر ما يردد الأب..أن (يوشي) مثل دفء نار الشتاء اللذيذة….لم يكن يعجبه أحد في ترتيب مائدة الطعام إلا..هي…والأخت الكبرى ، تعتبرها الأم الثانية….أو مستودع السر كما يحلو لها أن تناديها…
يوم الجمعة يوم العائلة….درجوا على الاجتماع فيه…فيبدأ من الصباح…وعند الغــــروب يتفرقون إلى بيوتهم كانت (يوشي) ..هي التي تخبرهم بنوع الطعام الذي تعده لهم …كأنما تشكل جذبــا…طبعا لم تكن تكف عن ألقاء النكات و الطرائف التي تجعل دموعهم تنهمر من شدة الضحك…تسميها مقبلات قبل الطعام..ولديها محل للأزياء النسائية.
الأخت الكبرى والصغرى متزوجتين…كانت الصغرى مع زوجها مقيمين في دولة مجاورة للعراق ..ويعملان سوية
دقت الساعة العاشرة صباحا…كانت تراقب الباب كل دقيقة ..تتوقع حضور الأخت الكبرى مع زوجها أولا…، لكنها فوجئتبالأخ الكبير هو الذي طرق الباب قبل الجميع…سمعت كركرات طفلتيه وبكاء الولد عرفتهم قبل ..أن يدخلوا باحة البيت دخلوا وتلقف الجد أحفاده ببسمة وحنان وتعلقوا بثيابه حتى أجلسوه أرضا وكلهم قد استغرقوا بالضحك.
كانت(يوشي) تراقب وجوم أخيها…ونظراته المستغرقة في جدران البيت وصور العائلة..المعلقة على الجدار يقلب عينيه في شخوصها فردا فردا.. وعند المكتبة سألته ..بعد أن دخلت زوجته إلى المطبخ لتساعد في تهيئة طعام الجمعة
– ما الأمر..؟.
– بعد أن يكتمل الجميع
– نعم ولكن أخبرني…أنا قلقة ماذا تريد من أخواتك وإخوتك؟!.
– طبعا…أنا أفكر فيك …أكثر من الباقين
– لماذا أخي أقلقتني؟.
– لاشيء غير اني أفكر في مستقبلكم.
وأنصرف إلى أبيه…يحادثه بعد أن أسكت أطفاله وصرفهم إلى الحديقة…واستمرت هي بدهشتها ،لم يكن ليخفي عنها شيئا ولكن لابــد أن الأمر كبير.
ظلت تجول فكرها…ماذا حصل..هل تورط بديون أو حصلت معه مشكلة..استبعدت كلا الأمرين فهو رصين جدا.
و وضعــه المادي جيدا….تسللت إلى المطبخ لتكمل سيجارتها المشتعلة..كعادتها بمنتهى السرية.
وطرق الباب مرة أخرى….هرولت لتفتح، كانت الأخت الكبرى مع زوجها المترهل من فرط سمنته، احتضنا بعضيهما بحنان فكانتا قريبتين جداً من بعضيهما…وهي التي دلعّتها يوشي.
أجلستها…وكانت نظرات التساؤل مستمرة بينهما والأخ الأكبر ما زال مستمرا بالحديث معه أبيه بعد تحية أخته التي يجلها كثيرا متشاغلا..بالحديث كأنه يؤخر التصريح المدوي.
جاء البقية تباعا…وجهزت مائدة الطعام بالأكلات العراقية الشهية…وبعد أن أتموا أكمال الطعام كانت أستكانات الشاي تدور بينهم بصمت….
وبعد أن انتقلوا إلى الصالة الكبيرة…أستمر صمتهم كأنما على رؤوسهم الطير..بانتظار أن يتحدث…أخوهم…وعرف أنه حان وقت الحديث بما يريد.
أنه حان وقت الحديث بما يريد.
-ها حبيبي وآخي الكبير قل ما عندك..اتصالك أقلقني.
– نعم..تعرفون..أن ظروف البلد صارت لا تطـــاق….ولا نعرف إلى متى سيستمر الحصار،بالنسبة لي وضعي المالي جيدا ولكن قلقي عليكم
– بربك…قل ما عندك، قالها الأخ الأوسط بعد صمت وترقب
– أريد أن نهاجر جميعا إلى أوربا.
كانت يوشي تراقب الجميع …وترنو بطرفها إلى أبيها الصامت والمطرق إلى الأرض…
– يقولون صعب الحصول على تأشيرات للعراقيين
– بالمال نستطيع تدبيرها.
– لكن لا يوجد لدينا…مال كافي.
نهض الأخ الأكبر …وبلهجة حازمة قال:
– أنا أتكفلها…كل أموركم المالية مكفولة من قبلي وبينما تلاقت نظراتهم المطمئنة تناسوا أن لديهم أخت ما زالت عباء…هؤلاء كلهم لديهم أطفالهم و أوضاعهم..رفع الأب بصره وتكلم أخيرا:
– يوشي…ألم تفكروا بها مع من ستكون..هل تريدوه لخدمة أطفالكم في الغربة..ألم تفكروا بها ..أكرر.
– لا يا أبــي…وجدت لها حلا!!.
(ألأخ الأكبر بعد أن تحرك كقائد عسكري واثق من نجاح خطته العسكرية).
– كيف؟؟ (كلهم كأنما بصوت واحد).
– سأزوجها.
– تزوجها…ممن؟.
– قالها الأب وهو يصفق بيديه ..ثم استدار باتجاه أبناءه كلهم
– نعم يا أبي…اعرف انك لا تستسيغ التزويج بدون موافقة البنت ورضاها
– أذن قل لي كيف يتم زواجها؟
– صوريــا.
كلهم وجموا من جديد…وتسائل الأوسط…عن مغزى هذا الزواج ما دام صوريا كانت يوشي تحملق بهم مستغربة من تقريرهم مصيرها وهم لم يحسوا بوجودها حتى..والادهى من ذلك يزوجوها بشخص معد لها سلفا دون ود أو تعارف أو حب أين آمالها العريضة..أين فارسها آلاتي على
حصانه الأبيض..أين أحلامها وشقتها الخيالية على نهـــر دجـــلة…كلها تبخرت بتلك اللحظة الصاعقة.
فغرت فاها من شدة المفاجأة ..بالأمرين …الهجرة والزواج الصوري…
– سآتيك مرة أخرى…غدا لأجراء الرتيبات اللازمة
سلموا على أبيهم…جميعا وكذلك انسباه تقاطروا إلى بيوتهم بصمت وهدوء..عقب أزيز خلفته سياراتهم بقيت يوشي وأباها…في تلك الليلة لم يغمض لها جفن..ظلت تتقلب على فراشها إلى الصباح.
أحست بصوت سيارة قادمـــة إلى الزقاق..وأحست بوخز في صدرها…عرفت أنه أخاها الأكبر نزلت بسرعة إلى الطابق الأرضي….
وفعلا وجدت أباها جالسا مع أخيها..يتبادلان الحديث…وما أن توسطت الصالة ..بادرها أخيها
-أهلا بعروس على الورق .
وظل يقهقه طويلا متلافيا نظراتها.
-قل بربك كيف فكرت بكل هذا الأمر.
(قالتها بحركة كأنها تندب ميتا).
– فقط إلى أن نصل إلى عمان وافرق بينكما ويا دار ما دخلك شر أها بعد الأمر سهل جدا.
ولكن إن أراد فعلا حقه كزوج ماذا عليّ إن افعل ساعتها؟؟؟.
– لا تهتمي سأكون حاضرا معك.
كانت العاصمة عمان باردة جدا…ودخلوا إلى بهو الفندق بصمت…كانت يوشي تتحاشى زوجها بالورق كما أسمته….كل جسدها رافض له تماما…بينما أستقرات اشتعال رغبته خلال اليومين التاليين للعقد كانت تريد النوم في غرفة أختها…
صاح أخيها الأوسط…
– يا عراق وزعتنا في المنافي…لماذا شححت علينا..كانت تلك صرخاته كثرما ترافقها دموعه
الحصار القاسي من الداخل والخارج أكلنا…كانت تلك الكلمات خففت عنها وطأة الأمر الذي يضغط عليها في منتصف الليلة الخامسة لهم في الفندق وسط البلد…كان أن أثقل الزوج بالورق في الشرب..فلم يتمالك نفسه وصار يطرق أبواب غرفهم جميعا…فتجمعوا كلهم في الممر بينها..وجاء كبيرهم متثاقلا:
– ماذا تريد..أيها السكير؟
– أريد يوشي زوجتي
– كيف تريدها؟
– أحبها..قطتي السمراء
– ألم نتفق كلنا على أن تتفرقا؟
– أنا لا أوافق هي زوجتي
– ولكني لا أطيقك لست زوجي..(يوشي قالتها بصوت أيقض جميع نزلاء الغرف القريبة)
– سنفرقكما صباحا…لا تقلقي…
واستدار إلى زوجها ألورقي ليمسك بذراعه وهو يترنح من شدة السكر ليأخذه إلى غرفته التي احكم إقفالها .
نهضوا باكرا….جميعا…وبعد الإفطار مباشرة..ذهبوا إلى القاضي الشرعي…الذي فرق بين يوشي و زوجها المزعوم وبعد أن أعطوه مبلغا من المال..ليتركهم بسلام…
سألت أختها:
-ألان وقد حصلتم على التأشيرات إلى أمريكا ماذا أفعل لماذا دمرتم حياتي.
-لا عليك ستذهبين عند اسعد
– إلى تركيا!!!؟
-لا أريد مفارقتكم لا احتمل البعاد عنكم.
نزلت دموعها..واشتد نحيبها..ونشيج أختها المتألمة.
لم يطل الأمر كثيرا….توجهوا جميعا…إلى صالة المطار…وينظرون لبعضهم بحنان ودموع تنحدر رغما عنهم وسط اندها ش أطفالهم الذين لم يروا تلك المآقي تذرف دموعا قبل ألان كأنما هي اللحظات الأخيرة..التي لا يرون بعضهم بعدها أبدا.
…وفعلا كانت صالة المطار تعج بالمسافرين و بالنداء للمرة الأخيرة (على ركاب الطائرة التركية التوجه فورا إلى الباب رقم ثلاثة).
قبلت الأطفال والكبار ونشيجها يتصاعد…فدلفت إلى الطائرة بصمت…وجلست واجمة.
نهضت هذا الصباح منتشية على صوت أطفال أخيها من زوجته التركية الجميلة…ونزلت معهم إلى الحديقة الرائعة وبعد أن..أعدا طعام الفطور ..وجلسوا سوية إلى المائدة…بادرها أخوها بلهجته العراقية الجميلة…انته وقت الكسل
…هي أحست بمفاجأة جميلة..تنتظرها..
– شكرا لكما…قد فرجتما عني لا أطيق الجلوس في البيت..أريد أن أرى العالم …الجو هنا جميل جدا
– نعم ستعملين معنا.
– جيد ..وماذا سيكون عملي؟.
(حيث لم تسألهم عن عملهم خلال الفترة السابقة منذ أن استقبلاها)
– سيعجبك…ستكونين بمنتهى الروعة…لابد انك ستعجين الزبائن بخفة دمك!!.
– هو مطعم صغير..نهارا…وفعلا ستكونين نافعة ليلا ونهارا .
– موافقة ..
كانت تخرج باكرا..للتسوق..ومن ثم تدخل إلى المطبخ لتجهيز الوجبات بانتظار أخوها و زوجته ليبدءا بالعمل..كانت وجوه الزبائن مألوفة عليها لترددهم شبه اليومي على المطعم النهاري ولكن لاحظت في الآونة الأخيرة أن هناك شخص تعلو قسماته علامات الكبر والإدمان على الكحول..يجلس في الزاوية الصغيرة يوميا..لتناول طعام الإفطار..وكأنه توقيت مقصود..قبل أن يأتي أخوها، وهي تقدم له وجبته المعتادة بصمت..
وهي ترمقه بطرف خفي متسائلة عن توقيته الدقيق ..وتعرف أنه يراقبها بمنتهى الشدة
– صباح الخير أفندم هذا فطورك.
– تشكران…شكرا..(يحاول مجاراتها بعربية غير واضحة).
لكنه اليوم امسك بيدها…بشدة..
-أرجوك أريدك زوجة لي.
تسمرت واقفة…وكأنها قرأت خارطة زمنية تكبرها عشرين سنة أو اقل بقليل.
وكان أخيها يقف خلفها مباشرة….لم تكن تعلم بوجوده،وما أن استدارت حتى صارا قبالة بعضيهما، لاحظت ابتسامة كبيرة كبيرة ..وهو يهز رأسه..بالتشجيع والموافقة…فصمتت..كأنها لم تلوي على شيء.
أصرت على عدم ارتداء بذلة العرائس البيضاء ،ولم تتهيأ كعادة العرائس…بل ظلت تجمع حاجياتها بصمت وتقلب صور أبيها الذي توفي بعد شهر من مغادرتهم إلى المهاجر.
ظل يتوسل كثيرا ولكنها لم تبت بقرارها..فاستسلم لرغبتها….صعدت إلى جانبه في السيارة بهدوء وسكون ولم تلتفت لوداع أخيها….كانت تعلم أن بيتها الجديد قريبا من بيت أخيها..لكنها أحست بالاستلاب..فقدت جزء كبير من شيء ما من كيانها لا تعرف ماهو…تضغط كثيرا على نفسها خوفا من الانهيار..لم تكن تريد الاستسلام مهما حصل.
كان يحاول أن يضحكها…وهي تطابق صورته على عمها لأنه تقريبا بنفس عمره..لم يكن مهضوما لديها لم تستطع تقبله فقد تذكرت..عريسها الورقي….خرجت آه..من قلبها كأنها هشيم زجــاج..وحسرة على بغداد ، وما لبثت أن ندبت حظها وهي تتمنى الرجوع قليلا وربما القبول بعريس الورق ..كان قريبا من عمرها..ويتكلمان لغة واحدة وما إن حل الليل…حتى جرت أذيالها إلى غرفة من غرف الدار ….لتقفلها وتنام بثيابها.
بقيت على هذه الحالة لمدة خمسة شهور…
وجاء أخيها متوسلا إليها بإطاعة زوجها….فلبت رغبة أخيها…لتكون زوجة لذلك الرجل الغريب في تلك اللحظة التي عاشرها هذا الرجل أحست بشعور البنات اللواتي تعرضن للاغتصاب..ولكنها استسلمت بلا حراك كجثة هامدة.
– ألان قد فقدت عذريتي.
– ألان قد فقدت عذريتي.
ظلت تردد الكلمة ..ليلا ونهارا… وسأنغمس في حياة هذا الرجل ،تناولت زجاجة الويسكي القريبة منها وصبت لنفسها أول كأس في حياتها…فتجرعت مرارته حتى توالت الكؤوس…و زوجها يصفق فرحًا.
كانت يوشي …تضحك كثيرا وهي تتألم بصمت.. أقبلت على حياة الليل هناك بجسدها وهي تغادر روحها إلى لــيــل دجـــلة وبـــغــــــداد
انتهت.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
شكرا جزيلا لاهتمامكم