بغداد/المسلة:
هادي الدعمي
المعيار المهم للسعادة والشفاء والربح والخسارة هو الدين.. لذا تختلف قيمة الأشياء المتعلقة بالإنسان من الناحية المعنوية والمادية..
في عالم الماديات يعتبر الأخ أغلى من المال، بينما يقدم الولد على الاخ، وفي عالم المعنويات، عد الشرف والكرامة أغلى من المال والأخ والولد، ولكن الدين والعقيدة أغلى من الشرف والكرامة، وإليها الإشارة بقول الإمام الحسين، عليه واله افضل الصلوات “الموت أولى من ركوب العار، والعار أولى من دخول النار”
لذا الإنسان المستقيم هو الذي يضحي بالمهم من أجل الأهم، فيضحي بالمال من أجل الولد، ويضحي بالمال والولد من أجل الكرامة، ويضحي بكل ذلك من أجل الدين، الذي هو أغلى ما في الوجود، هذا ما جاء بوصية النبي صلوات إلى الأمام علي، مالك ودمك دون دينك.
هكذا كان الإمام الحسين، فقد قدم كل ما يملك في سبيل الدين وكان يقول “إلهي أن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى”.. وينقل عن السيد حسن الشيرازي قدس قوله “الحسين عليه السلام، ضحى بالكثير والغالي ولكنه لم يضح بالأكثر والأغلى، ضحى بالمال والأهل والنفس ولم يضح بالمثل والقيم والدين”
هكذا أصبحت دعوة الحسين والنبي واحدة، رسالة الحسين ورسالة النبي واحدة، ما دل عليه حديث النبي “حسين مني وأنا من حسين” لذا بقى الحسين وبقيت كربلاء رمزا لا للحسين وحده بل رمزا للنبي ، ورمز للجهاد.. يثبت فيه بطولة النبي واخلاقه والقيم لمبادئ النبي، بقيت كربلاء هذه البقعة المباركة، صورة أخرى للمدينة المنورة ومكة المكرمة..
هذا هو النصر العسكري الذي تحقق، نصر معنوي وتاريخي سماوي ، كل هذا بدم الحسين، حيث كان يقول، هيهات منا الذلة والنبي يقول “والله لو وضعوا الشمس بيميني، والقمر بيساري على أن اترك هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله او اهلك دونه”.
اذا الحسين سار على خط جده وطريقه، نهج الصمود والقوة والإرادة وقوة التحدي” والله لا اعطيكم بيدي أعضاء الذليل ولا أفر فرار العبيد”.
ما صنعه الإمام الحسين في ملحمته التاريخية لا يمكن أن يكون إلاّ له، على حدِّ تعبير الشاعر:
فيا أيُّها الوتر في الخالدين فذَّاً الى الآن لم يُشفَعِ
لأنَّ ذلك من تدبير الله تعالى لأوليائه المخلصين، حيث يهبهم الخلود مدى العصور والدهور؛ لسر لا نعرف منه إلاّ ما روي عن جدّه رسول الله صلى الله عليه وآلة وسلم عندما قال: «إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً».
إنَّ الانتصار الذي حققه الامام الحسين في كربلاء ليس عسكرياً، فالغلبة كانت للجهاز الحاكم، حين استُشهد الإمام وأهل بيته وأصحابه، كما هو واضح، ولكن الجميع يتفق على انتصار الحسين، من المسلمين وغير المسلمين، حتى سميَ هذا اليوم بأسماء متعددة، قبيل: (يوم انتصار الدم على السيف) و(يوم انتصار المظلوم على الظالم) و (يوم انتصار مشروع ألأمه على مشروع السلطة) الى غيرها من التسميات والتعابير التي تؤكد هذه الحقيقة.
مظلومية الامام الحسين هي السبب المهم والبارز في حسم الملحمة لصالحه، على حدِّ تعبير القائد الهندي: تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر.
لنا أن نتساءل: لمن تعود فائدة النصر، ومن هو المنتفع بذلك؟.
بكل تأكيد ليس المنتفع هو الله عز وجل، لأنه لا تضره المعصية ولا تنفعه الطاعة، فانه الغني المطلق: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}، ومعه لابدَّ ان تعود الى الناس، الى اتباع الأنبياء والمرسلين، وبناءً على هذا يمكن ان نجيب عن السؤال بهذا الشكل: المنتصر هو ذلك الذي تعود الفائدة على أتباعه، وحيث إننا وجدنا أن أتباع الأنبياء والمصلحين هم المنتفعون، لسلامة الدين الواصل اليهم، علمنا ان أولئك الأنبياء والمصلحين هم الذين انتصروا على أعدائهم، حتى لو كانوا قد قُتلوا أو تعرّضوا للظلم والاذى، فهذا الامام الحسين قد تعرّض لأبشع مجزرة شهدتها الإنسانية، ولكنه انتصر رغم ذلك، لانتفاع الناس بجهاده وتضحيته، فهذا هو قبره أضحى قبلة لأحرار العالم يقصدونه من كل مكان، ليستلهموا منه دروساً في الإباء، وليتعلموا منه أساليب الثبات على المبدأ وعدم المساومة مهما كانت المغريات.
اذا مفهوم النصر والانتصار لا يقتصر على معنى الغلبة العسكرية، بل يشمل ما هو أوسع من ذلك، ويمكن أن نختصره بكلمة هي (غلبة المشروع) فمن غلب مشروعه فهو منتصر.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
أخبار ذات علاقة
وزراء باقون رغم الأداء المتراجع.. من يدفع ثمن الجمود السياسي؟
الجيش الأميركي ينفذ ضربات على صنعاء وأنصار الله يعتبرون الحرب مفتوحة
ايران تحذر من المساس بالمراقد الشيعية المقدسة في سوريا