المسلة

المسلة الحدث كما حدث

عالمُنا يتغير.. الأحادي ينطوي والمتعدد يتبلور

18 سبتمبر، 2022

بغداد/المسلة:

محمد صالح صدقيان

عالمنا يتغير.. عبارة سحرية يتداولها معظم المهتمين بقضايا هذا العالم وقواعده ومنظماته التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية لتنظيم العلاقات الدولية ولا سيما منظمة الامم المتحدة ومجلس الأمن الدولي عام 1945 بهدف الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وذلك غداة مأساة نووية أصابت مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين.

لم يستطع مجلس الامن الدولي الذي أصبحت قراراته نافذة على صعيد الأسرة الدولية ان يضع حداً للنزاعات، وإنما نجح الی حد بعيد في إدارة هذه النزاعات، وفق قواعد “الحرب الباردة” التي حكمت علاقة القطبين الأمريكي والسوفييتي طوال 46 عاماً، إلى أن انهار الاتحاد السوفييتي عام 1991، لتبدأ مرحلة جديدة من “القطبية الأحادية” التي رقصت لها الولايات المتحدة فرحاً وخير تعبير عن ذلك تبشير فرنسيس فوكوياما بمقولة “نهاية التاريخ” وقول وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس لاحقاً إن الولايات المتحدة هي ذاتها الأمم المتحدة.. وما تقوله الأولى يعني قول الثانية!.

ثمة معادلة حاولت الولايات المتحدة تكريسها على مدى ثلاثة عقود، لكن معظم دول العالم التي كانت تطمح إلى مرحلة جديدة يسودها الامن والاستقرار والعدالة الدولية، لم تنسجم مع معادلة الأحادية القطبية التي كانت عسيرة الهضم علی شعوب حالمة بنظم اقتصادية واجتماعية وامنية وسياسية كفيلة برفع الهيمنة عن رقابها.. وصولاً إلى تحقيق العدالة المنشودة.

حاولت الولايات المتحدة صوغ معادلتها الجديدة بفرض غطرستها علی مناطق النزاع وبينها “الشرق الأوسط الجديد” في منطقتنا؛ فيما نالت مناطق دولية حيوية نصيبها من النفوذ الذي قامت بترسيمه مراكز الأبحاث والدراسات الامريكية، وفقاً لمبدأ “الأحادية القطبية” ودائماً وفق المقاسات الامريكية.

عديد الدول التي خرجت من ضغوط “الحرب الباردة” كانت تتطلع إلى لعب دور في سياق نظام دولي جديد كانت تأمل أن يُوفر لها مساحة أكبر من الحضور والفاعلية والجاذبية؛ لكن بعد اكثر من ثلاثة عقود، يشعر المتابعون لقضايا الامن والسلام العالميين بأن المعادلات السائدة (الأمريكية طبعاً) لم تعد قادرة علی معالجة المشاكل التي تواجه شعوب العالم قاطبة.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن جائحة كورونا التي ضربت الأرض بعرضها وطولها منذ حوالي الثلاث سنوات، اختبرت النظم الصحية الرأسمالية؛ ليتبين أن هذه النظم غير قادرة علی مواجهة ظروف الجائحة التي تُهدّد البشرية بأسرها، ما حدا بكثيرين إلى التنبؤ بأننا نتجه حتماً نحو عالم جديد يختلف عن عالم ما قبل الجائحة. ولم تكد مرحلة الجائحة تتراجع بفعل المناعة النسبية التي وفرتها الجائحة نفسها من جهة، واللقاحات المتعددة الجنسيات في مواجهتها من جهة ثانية، حتی اندلعت الازمة الأوكرانية، لتضع العالم امام اصطفاف جديد بدأت ترتسم معالمه على أرض القارة الأوروبية وهو إصطفاف يأمل كثيرون وبصوت مرتفع أن يفضي إلى “عالم جديد”.

هذه الازمة أدخلت الجميع وتحديداً أوروبا في حرب شاملة وصفها البعض على استحياء بأنها أشبه ما تكون بـ”حرب عالمية ثالثة”، لكنها ـ بقوة الوقائع ـ الحرب بعينها؛ بجيوشها واقتصادها وامنها وحجمها لكن وفق “موديل الالفية الثالثة”.

قد لا يختلف علماء السياسة والاقتصاد في توصيف واقع الاتحاد الأوروبي وما أصابه من وهن، لكن ما هي تداعيات انهيار الاتحاد الأوروبي علی الواقع الدولي بأسره؟ علی سبيل المثال، هل سيتأثر الشرق الأوسط بشكل خاص ودول غرب اسيا بهذه التداعيات؟ ما هي تداعيات ذلك علی دول جنوب شرق اسيا؟ علی الصين كما علی أمريكا الجنوبية؟ علی النزاع في بحر الصين وتايوان؟

يتفق الخبراء الجيوسياسيون علی ان تداعيات الازمة الأوكرانية لن تكون محصورة بروسيا وحتى بالصين، بل إن المستهدف الأول هو الاتحاد الأوروبي ومعه “حلف شمال الاطلسي (الناتو)”. الولايات المتحدة تحاول عزل أوروبا عن روسيا اقتصادياً وسياسياً وامنياً فيما تعمل روسيا والصين علی ابعاد الاتحاد الأوروبي عن الولايات المتحدة. سلاح هذه المعركة الاستراتيجية هو اولاً سلاح اللاجئين الذين تجاوز عددهم التسعة ملايين مشرد في دول أوروبا بما يشكلونه من عبء مالي واجتماعي وأمني ليس من السهل تحمله. ثانياً؛ الطاقة التي دفعت الاقتصاد الأوروبي الی حافة هاوية لم تواجه الدول الأوروبية مثيلاً لها منذ اكثر من خمسين عاماً؛ ثالث الأسلحة؛ الأمن الذي يلعب حلف “الناتو” الدور الأكبر في تأمينه بعد ان ضغطت عليه الولايات المتحدة في الذهاب الی أوكرانيا والانغماس في تطورات ازمتها الراهنة للوقوف في مواجهة مباشرة مع روسيا علی الأرض الأوكرانية التي سمح لها ممثل السيرك فولوديمير زيلينسكي ان تكون حطب هذه الازمة وركامها.

يقول الرئيس الاوزبكي شوکت میرضیایف الذي افتتح قمة شنغهاي الأسبوع المنصرم ان نظام التعاون الدولي القائم علی المبادیء والأعراف العالمية الحالية قد اختفی بسبب فقدان الثقة المتبادلة بين الدول، وهو ما شجّع الصراعات الجيوسياسية. وأضاف ان عدم الثقة بين البلدان يجعل من الصعب علی الاقتصاد العالمي العودة الی مسار التنمية السابق. ويكمل ان النزاعات المسلحة في انحاء مختلفة من العالم تعرقل تدفقات التجارة والاستثمار وتزيد مشاكل الامن الغذائي وامن الطاقة. ويعتقد ان السبيل الوحيد للمضي قدماً هو الحوار البناء والتعاون متعدد الأطراف، علی أساس مراعاة مصالح الأطراف واحترامها.

بدوره، الخبير النفطي الدولي ممدوح سلامة يعتقد جازماً أنّ النزاع الأوكراني مظهر من مظاهر التحوّل للنظام العالمي من النظام الأحادي الذي ترأسه الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 إلى نظام متعدّد القوى تقوده أيضاً الصين وروسيا والهند. ويقول ان النزاع الأوكراني عبارةٌ عن حرب تخوضها الولايات المتحدة ضد روسيا لإضعافها وإضعاف التحالف الاستراتيجي بين الصين وروسيا ومنع قيام نظام متعدد الأقطاب.

هل فعلاً نحن امام “عالم متغير”؟
اعتقد نعم بكل تواضع.


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.