المسلة

المسلة الحدث كما حدث

الصعاليك الجدد

3 يناير، 2023

بغداد/المسلة:

محمد زكي إبراهيم

جمعني مجلس عزاء ذات يوم، مع أحد الأصدقاء، الذين فارقتهم منذ سنوات طويلة. وبقدر ما كانت المناسبة حزينة، بقد ما كانت المفاجأة جميلة. فقد كانت تلك واحدة من الفرص القليلة لمعرفة ماذا تغير بعد عام 2003، عند أصدقائي الغائبين.

ولما كان الرجل من أسرة ميسورة الحال، فقد سألته عن معمل الكونكريت الجاهز الذي تملكه الأسرة، فقال :
– لقد تحول إلى قاع صفصف، ولم يتبق منه سوى الأرض. التي باتت مرتعاً لأكواخ العشوائيات.

وحينما استزدت منه أجاب:
– لقد هاجمته القطعان البشرية بعيد حوادث عام 2003، وأتت على كل موجوداته.
– ولماذا لم تقوموا بإعادة إعماره بعد أن هدأت الأحوال، واستقرت الأمور؟
– اختطفنا أنا وأخي ذات يوم لحظة خروجنا من المنزل، وكنا نحمل معنا مبلغاً كبيراً في السيارة. طالبونا بمبلغ آخر للإفراج عنا. ولبثنا على تلك الحال أياماً. أما الآن فلم يعد لدينا ما نستطيع به مواصلة العمل.
– ماذا قال لكم المختطفون في حينه؟
– قالوا لنا لماذا تسكنون أنتم في هذه البيوت الفارهة، ونحن نعيش في أكواخ حقيرة.
– قلنا لهم : هذه إرادة الله.

فكان أن انهالوا على (الله) بالشتائم.
هذه الحوارية التي نقلها لي الصديق، حينما كنا جالسين معاً، لم أستطع أن أستوعبها دفعة واحدة. كنت بحاجة لبعض الوقت، حتى أستطيع أن أعلل كيف انقلب العراق إلى هذه الحال، بعد أن أسدل الستار على مغامرات رئيسه الأرعن. وكيف بات اللصوص الخارجون من قاع المجتمع، يمارسون هواية الغزو، لسلب ممتلكات الآخرين. هل عادت قيم الصحراء مرة أخرى، بعد أن فقد الناس الأمل في تطوير أسلوب حياتهم، وانكفئوا إلى ما كانوا عليه في الجاهلية، وهل خيمت عصور ظلام جديدة على هذا البلد الأمين، وبات اللصوص يمارسون النهب في وضح النهار، مثلما كانوا يفعلون في القرون الأخيرة؟

رب سائل يسأل: كيف يمكن لرجال الأعمال أن يؤدوا دورهم في تنشيط الاقتصاد وخلق فرص العمل، إذا كان هذا هو ما يواجهونه في عراق الديمقراطية والبرلمان والأحزاب وحرية الرأي؟ وهل يمكن في ظل أجواء كهذه أن يجازف شخص ما أو مجموعة أشخاص في إنشاء مشروع صناعي أو خدمي أو سياحي، وكيف ستسير عجلة التنمية إزاء هذا الجحود والإيذاء؟

أكاد أوقن أن ليس ثمة بصيص من الأمل في التغيير، ما لم تطرأ تحولات بنيوية في جسد النظام القائم الآن في العراق. ذلك أن أكثر ما يفتقده هو الانضباط العالي، الذي لا يسمح بمثل هذه التجاوزات. وللأسف لا يتوفر هذا الشرط الآن. ومن الطبيعي أن تحفز مثل هذه الأوضاع مغامرين جدداً، يستغلون الفوضى والتذمر الشديد للإجهاز على السلطة.

ربما سيدرك الناس عندها، إن لم يكونوا أدركوا حتى الآن، أن وجود شركات عملاقة في البلاد، يملكها أشخاص نابهون، أو أسر معروفة، هو الضمانة الحقيقية لنشر الرفاهية وتحقيق النمو الاقتصادي. ولا بد أن يكون هؤلاء أثرياء ونافذون. فلم تبن الحكومات أو الزعامات السياسية، بلداناً مثل أوربا أو الولايات المتحدة، بل الشركات العملاقة ذات الحول والطول. أي أن وجود الرأسماليين في الدولة، نعمة لا نقمة. بالرغم مما حاول الاشتراكيون المتحمسون بثه في قلوب الفقراء من كراهة لهم، وحقد عليهم، وتوجس منهم.

إن كف أذى الصعاليك الجدد عن رجال الأعمال، هو السبيل الوحيد لتغيير نمط الحياة في العراق. وبغير ذلك سيظل يعاني من عدم الاستقرار، وانتشار البطالة، واضطراب حبل الأمن، إلى أمد غير معلوم.


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لا يعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.