المسلة

المسلة الحدث كما حدث

سقطة كاظم الساهر.. لن يقوم منها وسيموتُ بحسرتها

سقطة كاظم الساهر.. لن يقوم منها وسيموتُ بحسرتها

23 يناير، 2023

بغداد/المسلة: كاظم الساهر يمتلك رصيداً مليونياً من المعجبين في العالم العربي، يرجع اكثر من ثلاثة ارباع هذا الرصيد الى كونه عراقياً، ذاعت شهرته بعد ان غزا الاحتلال الأمريكي بلده، فقضية الصوت والموسيقى والموهبة تلك أمور لا توجد صافية ولا تتوافر عند الساهر نقية خالية من عوامل وجوده في مصر وبرعاية الميديا السعودية والخليجية عامة ، فضلا عن حفلاته المخملية التي باتت ثوبا مخمليا آخر يرتديه، حتى لم يعد قادرا على ارتداء ثوب العراق وهو يدعوه للغناء في افتتاح بطولة الخليج العربي الخامسة عشرة لكرة القدم في البصرة، وهي البطولة التي اعادت اسم العراق مُشعاً في سماء الخليج والعرب عامة.

العراق لا تنقصه المواهب والاصوات، فيه خامات أصوات ومواهب تذهل سامعيها، ولا تقارن الإمكانات الصوتية للساهر برغم الشهرة الاعلامية، بالمنطق العلمي الموسيقي والفني، وليس العاطفي والغوغائي الجمعي، بإمكانات أيّ رادود حسينيّ في النجف الاشرف أو في كربلاء المقدسة. وليس موضوعنا هو التقييم الفني لخامة صوت ، ولكن لموقف مَن ظنّ انّ صوته أكبر من أصوات اثنين وأربعين مليون عراقي نادوه أن يأتي اليهم في ساحة فرح نادر مروا به ، وخذلهم بدم بارد غير مبال.

ليس الساهر وحده من الفنانين مَن تعرّض لتهديدات سابقة، إذا صح الادعاء بذلك، كونه غنّى في زمن النظام السابق أو له، فتلك مسألة لم تعد موجودة بعد أن جرى الاجتثاث والمساءلة على المشمولين على مدى عشرين سنة وأعيد دمج الاخرين، ولم يكن الساهر يمثل رقماً سياسياً ذا اهمية لكي يكون مستهدفاً من النظام السياسي الجديد.

كانت مئات الألوف في البصرة، ومن خلفهم ملايين العراقيين، تنتظر الساهر لتحتفي به مثل احتفائها بالأشقاء الخليجيين ضيوفها، وكانت فرصة لا يمكن تعويضها للساهر ليثبت انّ حبّ العراق ليس بعض تعابير الوجه والحسرات تحت زوم عدسات كاميرات فضائيات سعودية ومصرية ولبنانية في لقاءات مع فاتنات تلك الشاشات.

الحكم في العراق الذي دعا الساهر للمجيء كان كفيلا بتوفير الحماية له وتبديد مخاوفه، فتلك مناسبة حماها العراقيون من الرسميين والشعب بأقصى ما يمتلكون من إمكانات. فماذا يريد الساهر أكثر من تلك الضمانات ليأتي في مناسبة عظمي للعراق لا أظن ان مناسبة إقليمية وعالمية.

قريبة المرور في العراق مثل خليجي 25.

إذن هو قرار الساهر المسبق والواضح في عدم المجيء الى العراق الذي انطلق أول مرة بين احضانه ومن خلال جمهوره ونظامه ايضاً، وتلك وقائع تاريخية وليست سياسية. إنّه قرار الساهر وقناعته في عدم العودة ولو من باب مجاملة عابرة.

ماذا ينتظر الساهر من العراق لكي يتنازل ويتخلى عن التزاماته في حفلات النُخب المخملية مرة واحدة ويأتي لمدة ساعتين او ثلاث ساعات لا أكثر الى العراق، فقد وصل المطرب ماجد المهندس برفقة المطربة الإماراتية أحلام وهما شهيران كشهرة الساهر وأكثر، وجرى الاحتفاء بهما، وما أحلى ان سجد المهندس على أرض مطار البصرة ليقبل تراب العراق في لحظة وصوله.

هل تستطيع أن ترفض دعوة ملك أو أمير أو رئيس أن تغني في بلده لمناسبة كبيرة؟ لا نظن أنك تستطيع الرفض لأنك تخشى من مقاطعة تلك الدول لك، فكيف اذن “حسبتها” مع العراق العظيم؟

هناك كثير من العراقيين، المهاجرين من الشخصيات والأعلام الكبيرة لها هواجس مقلقة عند التفكير للعودة للعراق بسبب ظروف مرت بهم او عليهم، لكنهم لو وجدوا واحداً بالمائة من الحفاوة التي كانت تنتظرك في البصرة والتي نالها المهندس وأحلام، لهبّوا عائدين اليوم فوراً.

إنّها سقطتك الكبيرة يا كاظم، لا علاج لها ولن تقوم منها ثانية في وجدان العراقيين الحقيقي، وليس في وجدان محلات تسجيلات الكاسيت والنوادي الليلية. ومن اين تأتي بنزار قباني آخر يخرجك من ورطتك بقصيدة تغنيها.

هنيئاً لك جمهورك العربي الكبير، لكن إعلم وأظنك بعد واقعة البصرة أنك لا تعلم، أنه ليس كمثل الجمهور العراقي الذي كسرت خاطره جمهور مماثل، وقد لمس العالم كله ذلك في البصرة.

العراق الذي كنتَ تُغنّي له في الخارج بحسب ظنّ الملايين من العراقيين، هو غير العراق الذي انتظرك أن تخرج من أجواء لياليك الخليجية الوثيرة بملايين الدولارات وتأتي لتقبل ذرة واحدة من ترابه.

العراق لمَن يحبه حقاً وحقيقةً ويُلبي نداءه في الساعات الحرجة، وكانت البصرة والعراق معها تبحث عن كل عوامل نجاح ذلك التجمع الرياضي العظيم وظنّوا بك خيراً أن تكون معهم سنداً، ولكن سقطتك كانت أسبق إليهم من كل أكاذيب ادعاء حبّ العراق التي تصطنعها تحت أضواء ستوديوهات الفضائيات المترفة.

المراقب السياسي في صحيفة قريش اللندنية


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.