المسلة

المسلة الحدث كما حدث

المحاصصة وكذا

20 أكتوبر، 2022

بغداد/المسلة:

محمد زكي إبراهيم

ليس ثمة شئ يغيظ الناس في هذه البلاد أكثر من نظام السياسي قائم على مبدأ توزيع المغانم وإرضاء المكونات، وازدراء ذوي الخبرة وأهل العلم، وعدم الاكتراث لأصحاب العقول وحملة الشهادات. ولا يستطيع إلا أن يساير الكتل والأحزاب، ويضطر لمجاملة هذا الطرف أو ذاك. حتى لو كان ذلك على حساب الوطن والمجموع.

وبتعبير آخر فإن هؤلاء الناس يريدون من الأحزاب التي تأسست بهدف الحصول على السلطة، وإدارة الدولة، أن تتنازل طواعية عن مكاسبها في الاقتراع العام، وتقبع مختارة في الصفوف الخلفية، كي تبرهن على وطنيتها، حتى لو أدى الأمر إلى انتحارها السياسي. ففي الدول التي تضم طوائف وأحزاباً لا أول لها ولا آخر، مثل العراق، لا بد أن تأخذ حكوماتها هذا التنوع الثقافي بعين الاعتبار. وبغير ذلك سيشعر الجميع بالتهميش والغبن بغض النظر عن مستوى الأداء الحكومي.

إن الدول المتقدمة تضم في الواقع أحزاباً لا يزيد عددها عن أصابع اليد الواحدة. وقد يقتصر المشهد السياسي في بعضها على حزبين رئيسيين يتناوبان على السلطة. فينزوي الخاسر في الظل حتى تتهيأ له الظروف للعودة إلى الحكم. وفي دول العالم الأخرى تتولى السلطة ائتلافات حزبية. وهي مضطرة بسبب ذلك إلى توزيع المناصب على الأعضاء، كل حسب حجمه.

إن نبذ المحاصصة في بلد مثل العراق، يشترك في انتخاباته النيابية أكثر من (300) كيان سياسي، أمر محال. فليس ثمة من يستطيع الحصول على الأغلبية المطلقة. ولا بد من تشكيل ائتلافات حكومية تقوم على مبدأ المشاركة في السلطة. وإلا فلن يتنازل أحد عن نصيبه لوجه الله. أما الأقليات العرقية والدينية فلها أحزابها الخاصة التي لا يشاركها فيها أحد.

تتخلص الشعوب من هذه الظاهرة عبر حكم الحزب الواحد. ويتم ذلك بطريقتين، الأولى اجتماع الأمة على حزبين أو ثلاثة، يفوز أحدها في الانتخابات ويعهد له بتشكيل الحكومة. والثانية بواسطة الانقلاب العسكري. وفي الحالين يختار هذا الحزب وزراءه، ووكلاءه، ومدراءه، وسفراءه، من بين أعضائه. ومن يطمح بالحصول على نصيب منها يغير انتماءه، ويلتحق على الفور بالحزب الحاكم. مثلما حدث لنا في الماضي. وهو ما لم يعد مقبولاً الآن.

هل يلائم نظام المحاصصة بلداً مثل العراق، وهل هو السبيل الأوحد لإرساء الأمن والاستقرار والرفاهية؟ أو أنه على خلاف ذلك يقود إلى تفكيك الإدارات والمؤسسات، ويعيقها عن أداء واجباتها في التنمية والإعمار؟ وهل ثمة بديل عنه حتى هذه اللحظة؟

من الواضح أن الجواب الثاني هو ما يحدث الآن بالفعل، ويؤدي إلى التلكؤ والتباطؤ، والفشل والفساد، والمشاكل الأمنية والاقتصادية. وهذا هو السبب الذي يجعل سواد المجتمع يضيق ذرعاً بالمحاصصة، ثم يخرج متذمراً في ما لو استبعد ممثلوه منها.

وبالطبع فإن الحل المثالي لهذه الحال في العراق، المتخم بالطوائف والأحزاب، يتلخص في نظام رئاسي يختار الناس فيه الرئيس بالانتخاب المباشر لشخصه بالدرجة الأولى. ويتمتع فيه الفائز بصلاحيات استثنائية مثل حل البرلمان، وإلغاء الدستور.

ما لم يتحقق ذلك فإن نظام المحاصصة سيبقى ويتمدد. ولن يكون من المنطقي أن يتذمر منه المجتمع، وهو الذي يرفض تغييره على النحو الذي أشرنا إليه. وقد طرحه كثيرون دون أن يجدوا آذاناً صاغية عند أحد من العالمين.


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.