المسلة

المسلة الحدث كما حدث

مفارقات تاريخية

14 فبراير، 2023

بغداد/المسلة:

محمد زكي ابراهيم

من يدمن قراءة التاريخ، ويتأمل ما فيه من حوادث، سيقع على الكثير من المفارقات التي تتعارض مع ما ألفه من قواعد وما اعتاده من مسلمات. ويدرك أن ليس كل ما يدعو إليه الناس صحيحاً. فقوانين التاريخ ليست محكمة أو قاطعة. بل تحتمل الأخذ والرد، والخطأ والصواب!

وقد أثار فيّ هذا الشعور ما تواتر عن الانتصارات الكبيرة، والفتوحات الواسعة، التي تحققت على يد الدولة الأموية في الشام (40 – 132) للهجرة. فقد امتدت حدودها من الصين إلى المحيط الأطلسي. وحاصرت القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، وبسطت نفوذها على شمال أفريقيا وجزر البحر المتوسط، وغير ذلك من الأمور.

وفي أثناء ذلك كانت هذه الدولة تحكم بمنطق القمع والتعسف والاستبداد. وتستعين بأشخاص في منتهى الصرامة والقسوة والوحشية. وتقوم بإخماد الثورات التي تطالب بالعودة للإسلام الصحيح. ولم تنجح بمقابل ذلك دول أخرى اتسمت بالعدل والإنصاف، والورع عن إذلال الناس، وخنق حرياتهم، بالحصول على جزء من هذه المكاسب. بل أنها حوربت في وجودها، ورموزها، وأتباعها المخلصين.

ولعل سلوك النظام السابق في العراق، مازال ماثلاً للعيان، بعد عشرين عاماً على سقوطه. فقد كان نموذجاً للتطرف والغلو والاستبداد، والرغبة في ارتكاب الفظائع والموبقات. وتوجيه السهام لمختلف شرائح المجتمع، واستهداف عقائدهم الدينية. بل إن مظالمه تجاوزت العراق إلى بلدان مجاورة له. ومع ذلك فقد نجح في جوانب عديدة، مثل فرض الأمن والاستقرار، وتدشين قطاع عام واسع، وتطوير النظام التعليمي والصحي والخدمي. كما وجه اهتمامه لإنشاء صناعات عسكرية، وبناء جيش قوي. قبل أن يتضاءل ويتراجع ويضمحل في عقد التسعينات!

وفي كلا المثالين الأموي والصدامي، كان للنخبة الثقافية دور ملحوظ في دعم السلطة وتبرير أفعالها، الحسنة والسيئة على حد سواء. فقد التف جمع من الفقهاء حول بني أمية، وأعطاهم الشرعية، ولفق لهم الكثير من السنن والأحاديث. وكان ذلك وسيلة ضرورية لإقناع المجتمع بدعم الدولة. وهذا ما فعله النظام السابق على وجه الدقة. فقد منحه الشعراء والكتاب والإعلاميون والفنانون الثقة، وروجوا له، وحطوا من قدر خصومه، ورفعوا منزلة رئيسه فوق مستوى البشر العاديين.

وقد واجه النظام النيابي الذي أعقبه صعوبات ومشاكل أمنية واضطرابات وحركات انفصالية. وتفككت مؤسساته الصناعية والخدمية والتعليمية، وانتشرت فيه الظواهر السيئة مثل الرشوة والفساد. رغم أنه أطلق الحريات، ومنع الاستبداد، وأعاد المؤسسات الديمقراطية، وأجرى الانتخابات، واعتمد نظام تداول السلطة.

لماذا تعجز النظم التي تتوخى العدل، وتحترم عقائد الناس عن تحقيق الأمن والاستقرار، وإطلاق التنمية والعمران. في ما ينجح الاستبداد الشديد في كل ذلك. ولماذا تخفق الأنظمة التي تحترم التنوع العرقي والمذهبي، وتنبذ الفرقة والظلم والإرهاب، في إقامة مجتمع متماسك، في ما تنجح تلك التي تغرق البلاد في الدماء والموت والدمار. ولماذا تعزف النخبة عن الوقوف إلى جانب النظام العادل الذي يطلق الحريات، وتجتمع حول ذلك الذي يفرض الخوف والرعب وامتهان كرامة الناس؟ أسئلة تحتاج إلى الكثير من التأمل والبحث والمراجعة والتفكير!


المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.